26 - 06 - 2024

اقرأني لتراني | خيرية البشلاوى

اقرأني لتراني | خيرية البشلاوى

(أرشيف المشهد)

  • 4-7-2015 | 01:15

وجه قمحاوى مستدير، وعينان  عميقتان ضيقتان من وارء النظارة،  الشفتان رفيعتان مزمومتان بإحكام فتشعر أنهما صامتتان عن القول إلا فى وقته وحينه، لكن القول من وراء إنفراجهما كثير وكبير وموجع، وإذا تكلمت لايمكنك أن تخطئ وقع صوتها الهاديء المهذب، فهو عميق ومثقل بالكلمات، تأتيك كلماتها مختارة بعناية، مٌحّملة بإستبصار خاص للغاية بالنفس البشرية و بالحياة بكل غرابتها التى تحللها فى الأعمال الفنية وفى القصص المختلفة ، تأتيك أفكارها مثقلة بالإهتمام بكل ماهو خير وصالح ونافع وسط واقع فوضوى يبعث على اليأس، تعود فتنظر إلى وجهها القمحاوى المستدير، وجه ترتاح له حتى وأنت ترى أنه مهموم، وجه يذكرك بأختك ومعلمتك وأمك وجارتك، وجه مصرى وكأنه يأتيك من كل العصور السابقة على أرض النيل.

عن خيرية البشلاوى أتحدث، خريجة كلية الاداب قسم اللغة الإنجليزية، الناقدة السينيمائية المعروفة التى لم أقابلها وجهاً لوجه ولا مرة واحدة فى حياتى وإن صحبنى صوتها المهذب وصورها اللطيفة ومقالاتها العميقة الكاشفة فى رحلة طويلة من حياتى.

ربما كنت فى العاشرة من العمر أو أكبر قليلاً حين إشتعل حب الأفلام الأجنبية فى مخيلتى. كان هذا جزءً من الإهتمام بالآخرالأجنبى فى عصر الإنفتاح فى أواخر السبعينات وبدايات الثمانينيات حين غزتنا إعلانات المنتجات المستوردة والتى كانت دائما امريكية وتساقطت علينا المسلسلات والأفلام والأطعمة والملبوسات الأمريكية، حتى أنه مرت سنوات قبل أن أسأل نفسى " هو إحنا ليه مش بنشوف فيلم ألمانى ولا فرنساوى ولاحتى بريطانى؟" وقتها تربع برنامجان على التليفزيون المصرى لمن هم على شاكلتى، نادى السينما يوم السبت، وأوسكار يوم الخميس. فى نادى السينما حرصت المذيعة د. درية شرف الدين على إستضافة ضيوف مميزين، من ضمنهم خيرية البشلاوى، للتنويه عن الفيلم قبل عرضه، ثم تحليله بعد عرضه. كان البرنامج يبدأ فى العاشرة مساءً على القناة الآولى ، ولا ينتهى الفيلم بعد تقديمهقبل الثانية عشرة أو بعدها، مما يعنى أن على المشاهد ان يسهر حتى الواحدة صباحاً ليستمع إلى التحليل والنقد، وكنت أنتظر إن كانت خيرية البشلاوى هى الضيفة وألصق وجههى فى الشاشة لأننى أخفض الصوت جدا فلا تظبطنى أمى ساهرة إلى هذا الحد، أسهر لأننى سأندهش مما تقوله، وأفكر فيه فى الصباح حين أضع رأسى على "التختة" فى المدرسة وأغفو قليلاً من أثر سهر الليلة الماضية إن كنا فى السنة الدراسية، أو وأنا أعد الإفطار للأسرة كواجب يومى فى الأجازة الصيفية. كانت ممن أشعلوا فى نفسى حب النقد والتحليل.

 وكبِرت،وتوقف نادى السينما وإتسعت سموات القنوات حتى تٌهنا ولم أعد أرى خيرية البشلاوى على الشاشة وإن ظلت ممن شكلوا تفكيرى، حتى رأيتها  حديثاًعن بعد فى ندوة عن حقوق الإنسان كنت بدأت أشعر فيها بالملل والإنزعاج من بعض ما أسمع واتشاغل بأكل المخبوزات الفاخرة فى الفندق الخمس نجوم لكن حين أمسكت الميكروفون وتحدثت بحكيم القول وخير الحديث كعادتها، نزلت طمأنينة عميقة على قلبى. الثقافة فى بلدنا بخير مادامت شخصيات مثل خيرية البشلاوى.

مقالات اخرى للكاتب

فى رثاء الخالة: متلازمة الصدمة





اعلان